معالجة انتهاكات الماضي: الحقيقة والعدالة والمحاسبة

ركزت الجلسة الثانية، التي حملت عنوان " معالجة انتهاكات الماضي: الحقيقة والعدالة والمحاسبة،" على تقديم خبرات مقارنة من الأمريكيتين وأوروبا وجنوب أفريقيا والدروس المستفادة في هذا النطاق للاستفادة منها في الفترات الانتقالية التي تحدث في الشرق الأوسط.

مارسي مورسكي، مستشارة أولى في دائرة البرامج لدى المركز الدولي للعدالة الانتقالية قدمت أمثلة على تجارب العدالة الانتقالية من أمريكا اللاتينية ، خصوصاً في مسألة تقصي الحقائق. لدى أمريكا اللاتينية خبرة قوامها ثلاثين عاماً في مسألة النضال من أجل المحاسبة وتنفيذ كل آليات العدالة الانتقالية. وركزت كلمة مورسكي على مسألة البحث عن الحقيقة وسلطت الضوء على زيف المعضلة بين الحقيقة والعدالة ، وبين العدالة التقليدية والانتقالية.

والدرس الرئيس التي تعلمته هو أن العمليات الاجتماعية والسياسية والمؤسسية لا تحدث بين ليلة وضحاها. حيث أن تنفيذ آليات العدالة الانتقالية في بلدان أمريكا اللاتينية استمر الى ما بعد التحول السياسي. وعلى الرغم من أن ذلك الأمر لا يعد نموذجاً مثالياً وفي حين أن الضحايا انتظروا طويلا من أجل الحقيقة والعدالة ، فمن الواجب ان تكون الآليات المنفذة ذات مصداقية وشرعية وعادلة في عيون الضحايا والمجتمع ككل. وهذا الأمر قد يستغرق وقتا طويلا حتى يتحقق ويجب التأكيد على أهميته.

وأوضحت مورسكي، من خلال أمثلة من جواتيمالا والأرجنتين وكولومبيا ودول أخرى في أميركا اللاتينية، كيف أن تدابير تقصي الحقائق برهنت أنها أداة قوية لمكافحة إنكار الدولة حول ما حدث وعدم التأريخ للماضي. هذه التدابير في بداية الأمر اكتسبت شهرة بسبب قرارات العفو الرسمية واستمرار وجود الجيش كقوة سياسية، الأمر الذي جعل من المستحيل إجراء الملاحقة القضائية. وأكدت مورسكي أن قضايا انتهاكات حقوق الانسان والفساد وإساءة استخدام السطلة لا تختفي بسبب قرار أو عفو او اهمال حكومي.
وأضافت:"ان هذه الانتهاكات مزقت نسيج المجتمع، والعدالة الانتقالية تسعى لمعالجة هذا التمزق والذي يبدأ عادة من خلال تقصي الحقائق."

واشارت الى حقيقة أن تدابير البحث عن الحقيقة تمهد الطريق للملاحقات القضائية، ومعظم الملاحقات القضائية الحالية في المنطقة اعتمدت على أنشطة بعثات تقصي الحقائق والنتائج التي تتوصل اليها لجان الحقيقة، وخصوصا في ما يتعلق بالتحقيق في حالات الاختفاء وملاحقة مرتكبيها.

وانهت مورسكي كلمتها بتسليط الضوء على أهمية دور المجتمع المدني في المطالبة ببذل جهود للبحث عن الحقيقة وتقديم الدعم اللازم لها. وصرحت قائلة: "يجب أن يكون هناك دور للمجتمع المدني في بداية تشكيل لجان الحقيقة. وأضاف أن ذلك من شأنه ضمان ايجاد آلية ناجحة تنسجم مع حقوق واحتياجات الضحايا وتوفر شرعية أوسع خصوصاً في ظل وجود حكومات جديدة تناضل من اجل اثبات ذاتها بعد الثورة.

واستمرت الجلسة بكلمة لنيك كومجيان، محامي وخبير في القانون الدولي الجنائي، الذي سلط الضوء على نقاط القوة للملاحقات الجنائية والقيود المفروضة عليها في التعامل مع الانتهاكات الجماعية في الفترة الانتقالية.

واستهل كومجيان كلمته متسائلاً: "عندما نتحدث عن "العدالة الاجتماعية" ماذا نعني بذلك؟ وأجاب كومجيان على سؤاله قائلاً ان المجتمع العادل هو ذاك المجتمع الذي ينعم فيه الجميع بحقوق ومسؤوليات متساوية ويكون كل شخص مسؤول عن أفعاله مشيراً ان القانون الجنائي يلعب دوراً محورياً في تحقيق ذلك.

وشارك كومجيان بتجربته من خلال عمله في قضية محكامة شارلز تايلور، رئيس ليبيريا السابق، قائلاً ان المحكامات العادلة تضمن كرامة الضحية الذي يدلي بشهادته والجاني كذلك. وقال كومجيان ان الجميع متساوون أمام القانون والملاحقات الجنائية تنزع الحصانة عن منتهكي حقوق الانسان وتضعهم على قدم المساواة مع ضحاياهم والشهود.

وفي حين أكد على قوة عملية الملاحقة الجنائية، نوه كومجيان الى أهمية آليات العدالة الانتقالية لاتمام عمل المحاكمات. وقال كومجيان ان المحاكمات الجنائية محدودة بطبيعتها نظراً لصعوبة محاكمة جميع منتهكي حقوق الانسان وعدم مقدرة الضحايا في العديد من القضايا على الادلاء بشهادتهم. وقال ان بعثات تقصي الحقائق تستطيع سد هذه الفجوة.

واختتم كومجيان كلمته بالتحذير من امكانية إساءة استخدام الملاحقات القضائية، مؤكداً أنه لا يمكن استخدام الملاحقات القضائية من أجل التغيير السياسي. وأضاف كومجيان أنه لا يمكن إدانة الأشخاص بسبب انتمائهم لحزب سياسي معين وأن القضاة يتعين عليهم البحث في أفعال الجناة دون النظر في انتمائاتهم السياسية.

واختتمت الجلسة بكلمة للسيدة نصيرة ديتور، رئيسة رابطة عائلات المختفين قسرياً بالجزائر. واستكمالاً للمناقشات السابقة حول الاختفاء القسري، تحدثت نصيرة عن تجربتها الشخصية ومعاناتها الشديد بعد اختفاء ابنها الذي اختطفه جهاز المخابرات الجزائري.
وقالت نصيرة: رسالتي لكل الضحايا هي لا تفقدوا الأمل، فالأمر قد يستغرق عدة سنين.

وتناولت بالتفصيل عمل رابطة عائلات المختفين قسرياً والتي تمارس نشاطها في جميع أرجاء الجزائر وتقوم بجمع معلومات عن الاشخاص المختفين قسرياً وتتخاطب مع الحكومة للحصول على معلومات حول اماكن احتجاز افراد عائلتهم. وتقول نصيرة ان جهود تقصي الحقيقة ومحاسبة المتورطين تواجه المزيد من الصعوبات في الجزائر. فعلى سبيل المثال قامت السلطات في نهاية العام الماضي بمنع إقامة منتدى حول العدالة الانتقالية. كما ان العديد من عائلات الضحايا والضحايا أنفسهم يجبرون على الصمت بسبب المخاوف من قيام السلطات بأعمال انتقامية.

واختتمت حديثها بالتساءل: ماذا نفعل حتى ننتقل الى الفترة الانتقالية. "نحن بحاجة الى ديمقراطية. نحن بحاجة الى ملاحقة المتورطين. عائلات المختفين قسرياً يستحقون معرفة الحقيقة."

الجلسة التالية اشتملت على عروض تقديمية من قبل روبن كارنزا، مدير برنامج جبر الضرر لدى المركز الدولي للعدالة الانتقالية وكيلي موديل، مديرة الدراسات الخاصة بالنوع الاجتماعي لدى المركز الدولي للعدالة الانتقالية و ياسمين سوكا، المفوضة السابقة بلجنة الحقيقة والمصالحة بجنوب أفريقيا ، حيث تناولو معالجة الانتهاكات الماضية ودمج رؤية النوع الاجتماعي في إجراءات العدالة الانتقالية.