في مواجهة ماضٍ عنيف، الشباب اللبناني يساعد في الحفاظ على الحقيقة والذاكرة

12/09/2022

في لبنان، وفي ظلِّ غيابِ منهاجٍ دراسيٍّ شاملٍ، يكبرُ الشّبابُ على معرفةٍ شحيحةٍ في تاريخ بلدهم. لكنّ هؤلاء الشّبابَ يريدونَ فهمَ الحرب حتّى يتمكّنوا من معالجةِ إرثها مِن العنف والانقسامات، والتّصدّي لأعمال العنف المُستمرّة ولِخطر تجدّد الاقتتال الطّائفي المُحدق دومًا بالبلاد. وبغية بناء هذا الوعي لدى الشّباب، من الضروري اعتمادُ مُقاربات مُبتكرة في التّعامل مع التّاريخ وتعميم وجهات النظر المتعدّدة.

وغالبًا ما يتعاونُ المركز الدّولي للعدالة الانتقاليّة والشّباب من أجلِ زيادة تفاعلهم المدنيّ ومُشاركتهم في عمليّات العدالة الانتقاليّة. وفي لبنان تحديدًا، استطعنَا العملَ عن كثبٍ مع الشّباب من أجلِ ضمانِ معرفتهم الحقيقة في شأنِ ماضي بلدهم وإدراكِهم الدّور الّذي يُمكنهم تأديته في صياغةِ السّرديّة الوطنيّة، وذلكَ من خلالِ إفساحِ المجالاتِ أمامَهم ومدّهم بالأدوات اللّازمة الّتي تُخوّلهم مواصلة السّعي إلى إجلاء الحقيقة وتحقيق الإصلاح ونيل جبر الضّرر وإحقاق العدالة. فَعلى مدارِ السّنة المُنصرمة، عملَ المركز الدّولي للعدالة الانتقاليّة مع طلّابٍ جامعيينَ على رقمنة أرشيف لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين، وذلكَ بهدفِ صقلِ مهاراتهم التّقنيّة والتّعرّف إلى قضيّة المفقودين والمخفيين قسرًا. وقد تضمّنَ النّشاطُ حضور ورشات عملٍ حولَ العدالة الانتقاليّة والتّاريخ الشّفهي وأهميّتهما في المُساهمة في بناء السّلام وتحقيق المُصالحة الوطنيّة. وفي هذا الصّدد، قالَت المُشاركةُ ألين نصر: "تعلّمتُ، بعدَ ورشة العمل، أن أتقبّلَ التنوّع من دون أن أطلقَ الأحكام أو الفرضيّات المُسبقة. وتعلّمتُ أكثرَ عن ضرورة فهم تاريخنا ومُناقشته حتّى نتمكّن من إدراكِ تداعيات العنف والنّزاعات في المُستقبل فنتجنّبها."

ولم يخرج الشّباب مِن ورشات العمل هذه بعِبَرٍ مُهمّة حولَ العدالة الانتقاليّة فحسب، بل اكتسبوا مهاراتٍ جديدة تدعمُ تنميتهم المهنيّة أيضًا. وقد ألهَمت التّجربةُ هذه العديد من المُتطوّعينَ فبدؤوا يعملونَ مع منظّماتٍ تُعنَى بقضايا مُماثلة، ومنها جمعية "لنعمل من أجل المفقودين" وجمعية "العمل القانوني في العالم" (Legal Action Worldwide). ومن بين هؤلاء المتطوّعين، إيلينا بو دهن الّتي قدّمت دعمَها لِتنفيذِ مشروعٍ يقودُهُ كُلٌّ من جمعيّة "لنعملَ من أجل المفقودين" و"برنامج الأمم المتّحدة الإنمائي" ويرمي إلى التّوعية حولَ قانون المفقودين والمخفيينَ قسرًا رقم 105. وفي هذا الصّدد، صرّحت إيلينا قائلةً "من خلالِ عملي على الأرشيف ومُشاركتي في ورشات العملِ الّتي نظّمها المركز الدّولي للعدالة الانتقاليّة، أصبحتُ أكثر وعيًا للمظالم الّتي وقعَت إبّان الحرب الأهليّة. وباتَت محنةُ أسر المفقودين والمخفيين قسرًا جزءًا لا يتجّزأ من عملي، كَونِي مُحاميّة وناشطة مُدافعة عن حقوق الإنسان. وأشعرُ بواجبي، كمواطنة لبنانيّة، أن أصلَ إلى الحقيقة وأن أتعاملَ مع ماضينا الأسود."

_________

الصّورة: ألين نصر تشارك في التّدريب الّذي نظّمه كلٌّ من المركز الدّولي للعدالة الانتقاليّة ومنتدى خدمة السّلام المدني (ForumZFD) حولَ التّاريخ الشّفهي في آذار/ مارس من العام 2022 في بيروت. (المركز الدّولي للعدالة الانتقاليّة)