العدالة الانتقالية والكفاح من أجل حقوق الشعوب الأصلية

19/02/2013

تُعتبر جماعات الشعوب الأصلية من بين الجماعات الأكثر تأثراً بالنزاعات المعاصرة.

فغالباً ما تكون مناطقها الغنية بالموارد مطمعاً للجماعات القوية والعنيفة، وعادة ما يُنظر إلى هويتها على نحو ارتيابي، مما يجعل هذه الشعوب مستضعفة بصفة خاصة أمام النزاعات أو قمع الدول.

منذ عدة قرون، ظلت جماعات الشعوب الأصلية التي نجت من الإبادة السريعة مجبرةً على مكافحة التدهور البطيء للغاتها وثقافاتها وتقاليدها الأصلية.

تتم معالجة مسألة حقوق الشعوب الأصلية على نحو متزايد لمسألة عبر الإجراءات المختلفة للعدالة الانتقالي، وينهمك المركز الدولي للعدالة الانتقالية على نحو فاعل في الخطاب المعني بالكيفية التي بوسع لجان الحقيقة والآليات الأخرى للعدالة الانتقالية أن تساعد في الكفاح من أجل حقوق الشعوب الأصلية. وخلال الأشهر المقبلة، سيشرع المركز الدولي للعدالة الانتقالية وسيشارك في أربع مبادرات رئيسية معنية بحقوق الشعوب الأصلية، وهي:

  • في ولاية ماين الأمريكية، ستنعقد لجنة الحقيقة والمصالحة المعنية برفاه الطفل والمشتركة بين الولاية وبين شعب وباناكي الأصلي وذلك في مراسيم تقليدية لشعب الوباناكي، وسيسبق ذلك احتفال على مستوى الولاية بيوم للتأمل والصلاة؛

  • بالاشتراك مع معهد دراسات حقوق الإنسان التابع لجامعة كولومبيا ومكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، سيستضيف المركز الدولي للعدالة الانتقالية ندوة خبراء حول إمكانية اللجوء للقضاء للشعوب الأصلية، بما في ذلك عمليات الحقيقة والمصالحة؛

  • سينشر المركز الدولي للعدالة الانتقالية نسخة باللغة الإسبانية للدليل الإرشادي الذي عنوانه "مصادر للممارسين حول تعزيز حقوق الشعوب الأصلية عبر لجان الحقيقة"؛ ;

  • سيشارك المركز الدولي للعدالة الانتقالية عبر جهود قسم الأطفال والشباب التابع له في فعالية وطنية حول لجنة الحقيقة والمصالحة في إقليم كيوبيك في كندا.

وسعياً لإطلاق التغطية المعمقة التي سيقوم بها المركز الدولي للعدالة الانتقالية لهذه الفعاليات، فقد تحدثنا مع إدواردو غونزالسعالم الاجتماع البيروفي ومدير برنامج الحقيقة والذاكرة لدى المركز.وسننظر في هذه المقابلة عن كثب إلى العلاقة ما بين حقوق الشعوب الأصلية والعدالة الانتقالية.


بماذا يمكن أن تساهم العدالة الانتقالية فيما يتعلق بالكفاح من أجل حقوق الشعوب الأصلية؟

عادة ما تكون الشعوب الأصلية من بين الفئات الأكثر تأثراً في السياقات التي يسودها العنف. وحتى في السياقات التي لا تتميز بالحكم الديكتاتوري أو بالنزاعات الداخلية، عادة ما تكون الشعوب الأصلية متأثرة من إساءات منهجية وهيكلية ومن التهميش ونقص القوة السياسية، وانعدام الثقة، كما أنها تعاني من فقر واسع النطاق.

وهذا يُبرز حاجة الشعوب الأصلية لإيجاد نوع من الإنصاف. ويُعتبر الإنصاف حقاً عالمياً عند حدوث أي شكل من أشكال انتهاكات حقوق الإنسان، ويتسم هذا الحق بأهمية خاصة في حالة الشعوب الأصلية.

وفقاً لإعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية، يحق لهذه الشعوب أن تتم استشارتها وأن تمنح موافقتها أو تسحب هذه الموافقة بشأن أي سياسة تتعامل مع حقوقها. وإذا أرادت الدول إطلاق عمليات مصالحة، وبرامج لجبر الضرر، أو برامج أخرى للعدالة الانتقالية تتعلق بحقوق الشعوب الأصلية، فيجب إقامة هذه البرامج بعد التشاور مع الشعوب الأصلية.

"وحتى في السياقات التي لا تتميز بالحكم الديكتاتوري أو بالنزاعات الداخلية، عادة ما تكون الشعوب الأصلية متأثرة من إساءات منهجية وهيكلية."
    وتاريخياً، شهدنا عدداً من الأوضاع والحالات – مثلاً، في أمريكا اللاتينية في أماكن مثل بيرو وغواتيمالا – حيث تأثرت الشعوب الأصلية على نحو خاص بالنزاعات المسلّحة، وحيث عانت هذه الشعوب من الغالبية العظمى من إجمالي الضحايا والخسائر التي نشأت عن النزاع.

وفي تلك الحالات، أقامت حكومات البيرو وغواتيمالا وبلدان أخرى في المنطقة مؤسسات للتعامل مع تلك الانتهاكات.

إلا أن تلك المؤسسات أُنشئت في البداية وفق منطقٍ من التعامي الثقافي، فقد تم إنشاؤها لدراسة وقائع ما حدث، ولكنها لم تتأسس بالضرورة بعد مناقشات أو مشاورات مع الشعوب الأصلية. وحتى عندما نجحت تلك المؤسسات في تحديد الوقائع والجرائم المرتكبة ضد الشعوب الأصلية، فإنها تمكنت من تحقيق ذلك لأنها عملت بنية صادقة ونجحت في تكوين تصور سليم لتلك الأوضاع.

لقد استفاد المركز الدولي للعدالة الانتقالية من تلك الخبرات من أجل تحديد تجارب جديدة حيث تطالب الشعوب الأصلية بأن تكون طرفاً فاعلاً في الحوار السياسي المعني بالانتهاكات الهائلة التي تُرتكب ضد الشعوب الأصلية.

وثمة عدد من الأماكن في العالم يجري فيها هذا الأمر حالياً. فالقضية المرفوعة ضد الجنرال ريوس مونت في غواتيمالا هي قضية تؤثر على الشعوب الأصلية، وستكون هذه الشعوب جهة فاعلة واضحة في هذه القضية البارزة. وفي أمريكا الشمالية، ثمة جهود هائلة وتعبئة واسعة النطاق بين الشعوب الأصلية للمطالبة بالحقوق الاقتصادية والحكم الذاتي والحقوق الثقافية. كما بذل ناشطون جهوداً لتحديد انتهاكات تاريخية تتعقّب أسباب المعاناة الحالية للشعوب الأصلية. وهذا هو بالتحديد ما تقوم به لجنة الحقيقة في كندا.

إن السمة المشتركة بين هذه المؤسسات الجديدة، مثل لجنة الحقيقة في كندا ولجنة الحقيقة في ولاية ماين، هي أنها تتأسس من قبل الشعوب الأصلية ذاتها وبالتعاون مع حكومة ولاية ماين وحكومة كندا. وهذا الأمر هو شيء جديد تماماً، وربما يكون نموذجاً مثيراً للاهتمام والدراسة في المستقبل.    
"لقد ظلت حركة المطالبة بحقوق الشعوب الأصلية ناشطة فيما يتعلق بمسألة العدالة التاريخية."

ومن المثير أيضاً ملاحظة أن كلاً من مجالي لجان الحقيقة والعدالة الانتقالية، من ناحية، ومجال حقوق الشعوب الأصلية من ناحية أخرى، هي مجالات جديدة في القانون الدولي، وأنها تنشأ في الوقت نفسه.

إن التلاقي ما بين هذه المجالات هو أمر محتوم، وهو أمر مرغوب أيضاً. وهذه المجالات جديدة ومنفتحة على التطور والإبداع، كما أنها منفتحة لإقامة الصلات فيما بينها.

لقد أقام مجال العدالة الانتقالية في الماضي روابط مع مجالات اهتمام أخرى، مثل موضوع النوع الاجتماعي، ومسألة الأطفال والشباب، أو موضوع التنمية. ولقد حان الوقت لكي ندرك الحاجة إلى تزويد الناشطين من الشعوب الأصلية بوسيلة إضافية للمطالبة بحقوقهم.

لقد ظلت حركة المطالبة بحقوق الشعوب الأصلية ناشطة فيما يتعلق بمسألة العدالة التاريخية. لقد عانت الشعوب الأصلية من تجربة مشتركة في جميع أنحاء العالم، وهي تجربة الاستعمار، وقد نجمت معاناتهم عن العمليات المرتبطة بالاستعمار التي صادرت منها شكلاً من أشكال الحياة.

وبالنسبة للشعوب الأصلية، تتسم قضية التاريخ والعدالة التاريخية بأهمية هائلة. وهذا يثير تحدياً كبيراً أمام لجان الحقيقة، إذ أن لجان الحقيقة عادة ما تُستحدث من أجل التعامل مع الجرائم والانتهاكات التي حدثت قبل خمس سنوات أو عشر سنوات أو عشرين سنة. ولكن بالنسبة للشعوب الأصلية، فإن الانتهاكات حدثت على مر قرون.

في العديد من الحالات، لم تعرف الشعوب الأصلية أي فترة سلام؛ إذا أنه حتى عندما تكون البلد في حالة سلام رسمياً، تظل هذه الشعوب تحت حالة حرب إذ يتم تشريدها وتتعرض لاعتداءات وتعاني مشاكل متتابعة. إن ذاكرة الشعوب الأصلية هي ذاكرة طويلة، ونحن لا نتحدث هنا عن الذاكرة المتضمنة في إفادة فردية يتم الإدلاء بها أمام لجنة الحقيقة؛ وإنما ذاكرة قبيلة بأكملها، ذاكرة أمّة تدرك جميع الانتهاكات التي تعرضت لها على مر قرون.

أنا أتذكر على نحو واضح محادثة جرت بيني وبين أحد الناشطين في لجنة الحقيقة في البيرو، حيث أخبرني بأن هناك شعب محدد في غابات البيرو يُدعى شعب أشانينكا، وهم يقولون، "لقد بقينا دائماً في حالة حرب. فأسلافنا كانوا في حرب مع شعب الإنكا الذين حاولوا الاستيلاء على أرضنا. وأجدادنا كانوا في حالة حرب جراء استغلال المطاط وسعي تجار المطاط لأراضينا لاستغلال مواردنا الطبيعية وقوة عملنا. كما كنا في حالة حرب مع منظمة المسار المشرق الشيوعية التي حاربناها عندما أتى عناصرها وحاولوا استعبادنا. والآن فإن أراضينا هي مصدر طمع الشركات ومزارعي الكوكا، لذا فإننا ما زلنا في حالة حرب. وبالنسبة لنا، الحياة هي حالة متواصلة من الحرب للدفاع عن أنفسنا."

لذا فأنا أعتقد أن التلاقي ما بين حركة المطالبة بحقوق الشعوب الأصلية ومجال العدالة الانتقالية هو أمر بالغ الأهمية وواعد ومثمر إلى حد بعيد.

دشنت لجنة الحقيقة في ولاية ماين الأمريكية مراسيم انطلاقتها في 12 شباط/فبراير، حيث تم تعيين أعضاء اللجنة رسمياً. فما هي القضايا التي تنظر بها هذه اللجنة، وما هي أهميتها وصلتها في السياق الأشمل لحقوق الشعوب الأصلية في الولايات المتحدة الأمريكية؟

تم استحداث هذه اللجنة في ولاية ماين من قبل خمس قبائل من الشعوب الأصلية وحكومة الولاية. وتتركز مهمة لجنة ماين على فهم تجارب الجهات الفاعلة المختلفة المنهمكة في منظومة رفاهية الطفل، وستعمل على إعداد وصف إنساني ونفسي لهذه التجارب.

"هي لجنة تستند إلى الذاكرة الحية الحقيقية للشعوب وعبر مراسيم وشعائر تعطي معنى لتجارب الناس."
    ستركز اللجنة على التعرف على منظورات هذه الشعوب الأصلية، وبأسلوب يحترم كرامتهم ويأخذ بالاعتبار الرفاه الروحي للمشاركين وللأشخاص الذين عانوا. ولهذا السبب ثمة تأكيد على أداء الشعائر والطقوس والمشاركة السردية الشفهية الفعلية.

وهذا الأسلوب لا يقتفي خُطى النموذج التقليدي للجان الحقيقة التي تعتمد على عمليات تركز على السجلات وإصدار عدد من الكتب والمنشورات. بل هي لجنة تستند إلى الذاكرة الحية الحقيقية للشعوب وعبر مراسيم وشعائر تعطي معنى لتجارب الناس، وتركز بشدة على السرد الشفوي وأداء الشعائر.

وفي يومي 11 و 12 شباط/فبراير، بدأت اللجنة بشعائر صلوات وتأمل ترافقت مع تعيين الأعضاء الخمسة في اللجنة.

ستعقد لجنة الحقيقة والمصالحة الكندية في نيسان/أبريل فعاليتها الوطنية الخامسة. كيف تقارن بين لجنة ولاية ماين وبين لجنة الحقيقة والمصالحة الكندية، خصوصاً ما يتعلق بتفويضهما والإجراءات التي يتبعانها؟

لجنة الحقيقة والمصالحة الكندية معنية بقضية محددة – الإساءات التي تعرض لها الأطفال في المدارس الداخلية – والتي تسلط الضوء على قضية أوسع: السعي للإدماج القسري للشعوب الأصلية ومحاولة إضفاء التجانس على كندا، واختفاء الهويات التي تقع خارج نطاق الهوية السائدة.

وتقوم لجنة الحقيقة في ولاية ماين بمهمة شبيهة: معالجة لقضية محددة – معاملة الأطفال من الشعوب الأصلية من قبل المؤسسات المعنية برفاه الطفل – وهي تحاول في الوقت نفسه تسليط الضوء على قضايا التهميش والتمييز وقضايا توضح العلاقات العرقية في ولاية ماين.

"هي تحاول في الوقت نفسه تسليط الضوء على قضايا التهميش والتمييز وقضايا توضح العلاقات العرقية في ولاية ماين."
    لجنة الحقيقة والمصالحة الكندية تتناول قضية حدثت على نطاق أوسع بكثير، وتتصل بتجارب الأطفال الذين خضعوا إلى ما يسمى المدارس الداخلية للهنود. وهذا يتعلق بمنظومة قائمة على امتداد مئات السنين وشملت جميع المناطق الكندية وأثرت على عدد كبير من الأمم الأولى مثل شعب ميتيس وشعوب أمة الإنوت.

لجنة الحقيقة والمصالحة الكندية تتناول قضية حدثت على نطاق أوسع بكثير، وتتصل بتجارب الأطفال الذين خضعوا إلى ما يسمى المدارس الداخلية للهنود. وهذا يتعلق بمنظومة قائمة على امتداد مئات السنين وشملت جميع المناطق الكندية وأثرت على عدد كبير من الأمم الأولى مثل شعب ميتيس وشعوب أمة الإنوت.

لذا فإن حجم العمليتين متفاوت بشدة. وفي حالة ولاية ماين، ستنظر اللجنة في قضايا تتعلق بمنظومة رفاه الطفل بعد عام 1978 وتؤثر على خمس شعوب أصلية تقطن في الولاية.

والاختلاف الآخر هو أنه في حالة كندا، كانت المدارس الداخلية خاضعة لإدارة الكنائس بالتعاون مع الدولة. أما في حالة ولاية ماين، فالقضية تتعلق ببرنامج رفاه الطفل الذي تديره سلطات الولاية، ودون مشاركة المؤسسات الدينية.

وفي كلتا الحالتين، انبثقت اللجنتان نتيجة لمفاوضات وحوار بين الشعوب الأصلية وسائر السكان. ويكمن الفرق في الإجراءات الفعلية التي جرت.

ففي حالة كندا تأسست لجنة الحقيقة في نهاية اتفاقية تسوية، حيث وافق المحامون العاملون مع الشعوب الأصلية والمحامون العاملون مع الدولة والكنيسة على جملة من الأمور من بينها استحداث لجنة للكشف عن الحقيقة. وفي حالة ولاية ماين، لم تكن العملية نتيجة لإجراءات قضائية، بل هي عملية سياسية محضة تتضمن إجراء حوار وإحداث تقارب بين سلطات الولاية وبين الشعوب الأصلية في الولاية.    
"فإن عمليات المصالحة لا تحدث ضمن أمة واحدة، ولكنها مصالحة بين أمم."

إن فكرة المصالحة مهمة جداً لكلتا اللجنتين. وهما لا تتحدثان عن مصالحة وطنية، إذ أنهما لا تحدثان في سياق أمة واحدة ولكن تتضمنان أشخاصاً ينتمون إلى أمم متعددة. فشعوب الأمم الأولى في كندا هي شعوب ذات سيادة، والأمر نفسه ينطبق على الشعوب الأصلية في ولاية ماين.

وفي واقع الأمر، فإن عمليات المصالحة لا تحدث ضمن أمة واحدة، ولكنها مصالحة بين أمم، وهذا أمر مثير للاهتمام بالنسبة لعمليات مصالحة عديدة تحدث في مناطق أخرى من العالم، بما في ذلك البلقان ومنطقة البحيرات الكبرى وعدد من البلدان في مرحلة ما بعد الاستعمار. لذا فإن ما نشهده في تلك الحالات يمكن أن يوفر دروس لعدد من العمليات في المستقبل وأن يوجهها، وهذا أمر مهم جداً بالنسبة لمجال العدالة الانتقالية.

ما هي باعتقادك الطريقة التي يمكن للجنة الحقيقة أن تستخدمها لإشراك نطاق أوسع من المجتمع لتنفيذ تفويضها في توعية الجمهور؟

التوعية هي أحد أهم وظائف لجان الحقيقة، ويجب أن يظل هذا الأمر في مركز اهتمامها. ولكن التوعية تمثل في الوقت نفسه التحدي الأكبر والأكثر تعقيداً.

التوعية هي أحد أهم وظائف لجان الحقيقة ولكنها تمثل في الوقت نفسه التحدي الأكبر والأكثر تعقيداً.
    ولم يقتصر الأمر على معاناة هذه الشعوب من التهميش، وإنما أيضاً تم إسكاتها على نحو منهجي وتم استبعادها من تاريخ البلد الذي يقطنونه. لذا فقد يكون لدى المواطنين من غير الشعوب الأصلية، ومنذ البداية، تحيزات ضد الشعوب الأصلية أو نقص في المعرفة بشأن هويات الشعوب الأصلية والتجارب التي مرت بها.

ونتيجة لذلك، فعادة ما يتم تجاهل المطالبات التي ترفعها الشعوب الأصلية.

وللتغلب على هذه العقبات، يجب على لجان الحقيقة أن تحقق التوازن بين أمرين: فمن ناحية يجب أن تتشكل من الشعوب الأصلية، ويجب أن تكون تحت قيادتها. ومن ناحية ثانية، يجب أن تكون منفتحة على الحوار مع المواطنين من غير الشعوب الأصلية ممن لا يفهمون القضية، وفي الكثير من الحالات لا يعلمون حتى بوجود قضية أصلاً.

لذا يجب على لجان الحقيقة أن تنهمك في العمل مع أوساط التربويين وواضعي المناهج التعليمية في البلدان المعنية. وأثناء عمل لجنة الحقيقة، يجب عليها أن تتواصل مع الجمهور وأن تبين للناس أن ما حدث للأطفال من الشعوب الأصلية يمثل قضية تؤثر على الجميع. لقد شهدنا بارتياع خلال السنوات القليلة الماضية النطاق الواسع للإساءات التي تعرض لها الأطفال في تلك المؤسسات. لذا فقد يكون أحد الأمور التي بوسع اللجنتين تحقيقه هو جذب الانتباه إلى حقيقة أن المسؤولية عن رفاه الأطفال تمثل قضية تؤثر على جميع المواطنين.

إن المركز الدولي للعدالة الانتقالية منهمك حالياً في نقاشات بشأن السياسات حول كيفية ضمان إمكانية اللجوء إلى القضاء للشعوب الأصلية. وخلال الفترة من 27 شباط/فبراير إلى 1 آذار/مارس سيشترك المركز مع جامعة كولومبيا ومكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان في دعوة بعض أبرز المفكرين والممارسين والنشطاء والأكاديميين لمناقشة هذه القضايا. فما أهمية هذه الفعالية، وما هي النتائج المتوقعة منها؟

إن هيئة الخبراء المعنية بحقوق الشعوب الأصلية والتابعة للأمم المتحدة هي مؤسسة متخصصة تعمل بالتعاون مع مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان. وستطلق الهيئة مشاورات للخبراء للتعامل مع خبرات لجان الحقيقة والمصالحة والخبرات المتعلقة بإمكانية اللجوء إلى القضاء. ويتعاون المركز الدولي للعدالة الانتقالية بصفة وثيقة مع هذه الآلية.

وتهدف هذه الفعالية التي ستجري بالتعاون مع جامعة كولومبيا إلى تحديد الدروس المستفادة، ووضع منهجية لهذه الخبرات، ومواصلة الاهتمام المتنامي للنشطاء المعنيين بحقوق الشعوب الأصلية بتشكيل لجان للكشف عن الحقيقة.

وسوف نستقبل قادة من الشعوب الأصلية من جميع أنحاء العالم حيث سيتحدثون عن خبراتهم فيما يتعلق بلجان الكشف عن الحقيقة. وسوف يشارك خبراء من بلدان توجد فيها لجان للحقيقة، مثل غواتيمالا، وبلدان أخرى ما زالت تسعى لتشكيل مثل هذه اللجان، مثل كولومبيا. وسوف نتعرف على خبرات كندا وولاية ماين الأمريكية، إضافة إلى خبرات الشعوب الأصلية من آسيا وأفريقيا.

إن أحد أهم الإصدارات التي نشرها المركز الدولي للعدالة الانتقالية بشأن العدالة الانتقالية والشعوب الأصلية هو "مصادر للممارسين حول تعزيز حقوق الشعوب الأصلية عبر لجان الحقيقة". وسينشر المركز قريباً نسخة إسبانية عن هذا الإصدار. فما هي الأهمية الخاصة لهذا الدليل؟

منذ انهمكنا في تعاوننا مع لجنة الحقيقة والمصالحة الكندية، عملنا على إضفاء المنهجية على معارفنا وعلى الأفكار التي نشأت أثناء عملية الاهتمام بخبرات الشعوب الأصلية، وأصدرنا دليلاً بعنوان "تعزيز حقوق الشعوب الأصلية عبر لجان الحقيقة". وحدد الدليل توصيات للبلدان التي تنظر في إقامة لجان حقيقة وتتضمن حالات تأثرت بها الشعوب الأصلية. كما تتوجه هذه التوصيات إلى الشعوب الأصلية بشأن كيفية استخدام وسيلة لجان الحقيقة للمطالبة بحقوقها.

وتتسم النسخة الإسبانية من الدليل بأهمية كبيرة لأن العديد من لجان الحقيقة في أمريكيا اللاتينية تتصدى لواقع أن انتهاكات هائلة ارتُكبت ضد الشعوب الأصلية.

هذه النسخة الإسبانية أصبحت وثيقة الصلة حالياً، ففي حالة كولومبيا على سبيل المثال، هناك عملية تفاوض جارية ويؤمل بأن تضع حداً للنزاع بين جماعات الثوار اليسارية وبين الحكومة، وهذا النزاع هو أطول نزاع في النصف الغربي من الكرة الأرضية. لذا فنحن نأمل بأن هذا الدليل سيكون مفيداً للشعوب الأصلية في كولومبيا، إذ أنها عانت على نحو فظيع.    
"يتصدى العديد من لجان الحقيقة في أمريكيا اللاتينية لواقع أن انتهاكات هائلة ارتُكبت ضد الشعوب الأصلية. "

ونحن نعتقد أن الدليل سيساعد الشعوب الأصلية على استخدام وسيلة إضافية إلى جانب الوسائل المتوفرة لها للمطالبة بحقوقها.

كما إننا نأمل بأن هذا الدليل سيوضح للحكومات وللجهات المعنية الأخرى أنه من حق الشعوب الأصلية أن تتم استشارتها، وأن من حقها أن تمنح موافقتها على مثل هذه الإجراءات أو أن تسحب موافقتها إذا ارتأت ذلك. وهذا يعني أنه لا ينبغي على الحكومات أن تؤسس لجان حقيقة أو عمليات لجبر الضرر من دافع أنها تريد أن تكون سخية في تعاملها مع الشعوب الأصلية، وإنما لأن ذلك هو حق للشعوب الأصلية، ويجب لهذه العمليات أن تتم بالتعاون مع الشعوب الأصلية ومشاركتها الفاعلة.


الصورة: كاهن من جماعة المايا الغواتيمالية يستعد لإجراء الطقوس التقليدية في الحديقة الأثرية من كامينالجويو (هضبة الموتى في كيشي) في مدينة غواتيمالا، 30 كانون الثاني/يناير 2008، في ذكرى الهجوم الناري عام 1980 من قبل قوات الأمن المحلية على السفارة الاسبانية مما أسفر عن مقتل 39 شخصاً، بمن فيهم والد الحائزة على جائزة نوبل للسلام ريغوبرتا منشو ل. ايتان ابراموفيتش/أ ف ب / Getty Images