فرصة كولومبيا للوفاء بالتزاماتها التاريخية للمخفيين

01/09/2016

بعد ما يقرب من أربع سنوات من المفاوضات، توصلت الحكومة الكولومبية وأكبر حزب في البلاد، القوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك)، إلى اتفاق سلام نهائي تاريخي الأسبوع الماضي، وضعا حدا لأطول نزاع مسلح داخلي في نصف الكرة الغربي.

يتضمن الاتفاق إنشاء عدة تدابير للعدالة الانتقالية - مدرجة فيما يُعرف باسم "اتفاقية الضحايا” - والتي ترمي إلى تلبية حق الضحايا في العدالة والحقيقة وجبر الضرر وضمانات عدم التكرار. ستكون هذه التدابير موضع التنفيذ إن تم التصديق على الاتفاق في الاستفتاء الوطني المقرر عقده الثاني من أكتوبر.

بمناسبة اليوم العالمي للمخفيين، نسلط الضوء على أحد التدابير المتفق عليها تحت مظلة العدالة الانتقالية: إنشاء هيئة خاصة من شأنها البحث عن الأشخاص الذين أُخفوا أو فقدوا خلال ال 50 سنة من الصراع المسلح، وتحديد أماكنهم، والتعرف عليهم.

بعد أن وافقت عليها الأطراف المتفاوضة في أكتوبر من عام 2015، جاء استحداث هيئة البحث عن المفقودين لتشكل خطوة كبيرة إلى الأمام نحو التصدي للجريمة البشعة التي ظلت لفترة طويلة خفية في كولومبيا.

وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 46000 شخص قد أخفى قسرًا أثناء النزاع المسلح. ومع ذلك، فُقد الكثير تحت ظروف أخرى تتعلق بالنزاع، مثل أولئك الذين ماتوا في الأسر بعد اختطافهم للحصول على فدية والمقاتلين الذين قتلوا ودفنوا في مناطق الصراع المجهولة. بالجمع بين جميع أنواع حالات الإخفاء، فإن الرقم يرتفع إلى أكثر من 100000 شخص.

تنظر الهيئة الخاصة في هذه المجموعة الواسعة من حالات الإخفاء، وهي مهمة معقدة من شأنها أن تتطلب تمويلا واسعة وموظفين وخبرة فنية.

تقول ماريا كاميلا مورينو، مديرة مكتب المركز الدولي للعدالة الانتقالية في كولومبيا: "هذه الهيئة هي فرصة كولومبيا للوفاء بالتزام تاريخي تجاه الآلاف من الأشخاص المفقودين وعائلاتهم، الذين كافحوا على مدى عقود للعثور على أحبائهم. إنه إنجاز كبير لعائلات المفقودين في هذا البلد."

وتضيف مورينو: "خلق هيئة مخصصة سيكون هاما جدا لأنه حتى الآن أظهرت الدولة تقدما بطيئا للغاية، ليس فقط في تحديد أماكن وجود الرفات ولكن أيضا في تسليط الضوء على ظاهرة الإخفاء القسري."

توقعات الضحايا والمخاوف

على مدى عقود كانت عائلات ضحايا الإخفاء القسري صريحة جدا في نضالها من أجل اعتراف الحكومة واعتمادها إجراءات. لديهم توقعات عالية بشأن إنشاء الهيئة الخاصة، ولكن أيضا لديهم بعض الارتياب - إنها ليست المرة الاولى التي يُحدد فيها هيئة للبحث عن المفقودين في كولومبيا.

ونتيجة للمطالب الدؤوبة من الأسر، كلف قانون في عام 2000 بإنشاء اللجنة الوطنية للبحث عن المفقودين ووكل إليها التحقيق في جرائم الإخفاء القسري. ومع ذلك، افتقرت اللجنة دوما الدعم الاقتصادي والسياسي الضرورين، ووجدتها عائلات المفقودين مخيبة للآمال للغاية. حلت اللجنة حالات قليلة جدا ولم تنفذ أبدا الإجراءات التي تصورها العديد من الضحايا.

تقول أندريا توريس باوتيست، محامية في مؤسسة نيديا إيريكا باوتيست: "ما نتوقعه من الهيئة الجديدة هو ألا تكرر أخطاء الماضي"، في إشارة إلى اللجنة الوطنية للبحث.

وقد اختفت عمة أندريا في عام 1980، ومنذ ذلك الحين شرعت هي وأمها في السعي لتحقيق العدالة والحقيقة حول إخفاء نيديا إيريكا من قبل القوات المسلحة الكولومبية. وتدعم المؤسسة الآن عائلات ضحايا الإخفاء القسري في النضال من أجل العدالة والحقيقة وجبر الضرر.

بالنسبة لأسر الضحايا، فالأولوية القصوى للهيئة الخاصة يجب أن يكون البحث عن المفقودين "بجدية واجتهاد."

تقول باوتيست: "نحن نأمل أن يكون هناك على الأقل هيئة مؤسسية من شأنها أن تفعل ما لم تفعله الهيئات من قبل: تقديم معلومات لأسر الضحايا حول الإجراءات التي يجري تطويرها للعثور على جميع المفقودين في كولومبيا".

تؤكد باوتيست أن دور أسر الضحايا لا ينبغي أن يكون سلبيا: "ينبغي على العائلات تقديم المشورة بشأن إنشاء هذه الكيانات والمشاركة بنشاط، لأنهم الأكثر خبرة في العمل على المخفيين".

الخبرات التقنية

البحث عن أولئك الذين أخفوا أو فقدوا خلال النزاع المستمر منذ عقود سيطرح تحديات كبيرة كما توضح ديانا أرانغو. أرانغو هي المدير التنفيذي لإيكيتاس، المنظمة المستقلة الوحيدة في البلاد التي لديها خبراء في الطب الشرعي.

تقول أرانغو: "في كولومبيا لدينا مشكلة كبيرة مع البحث عن -و تحديد وإعادة كريمة- للرفات. نأمل أن الهيئة الخاصة سوف تكون قادرة على التغلب على تلك المشاكل . نحن بحاجة إلى أن تكون الهيئة مبتكرة في مجال التحقيق العلمي، بحيث يمكن تحديد موقع الأشخاص الذين ألقوا في الأنهار، أو الذين دفنوا في مقابر جماعية يصعب الوصول إليها."

تشير أرانغو أيضا إلى الحاجة لبنك "صامد" من الصور الوراثية، حتى يمكن تحديد تلك التي وجدت وإعادتهم إلى أسرهم. وتضيف أنه لا بد أن تلتزم الدولة باحترام عادات ومعتقدات الناس لضمان إعادة الرفات بطريقة كريمة.

المساهمة في السلام المستدام

يتفق كل من الأسر والخبراء على استحالة سلام مستدام دون معالجة جدية لقضية المختفين والمفقودين في كولومبيا.

تصرح أرانغو: " لا يمكنا بناء نظام ديمقراطي ومجتمع سلمي إن لم نجبر ضرر 13٪ من سكان كولومبيا الذين وقعوا ضحايا للصراع. كيف نشفي جراحنا ونبدء في عمليات المصالحة؟ كيف نولد سلاما مستداما إن كنا لا نعرف ما حدث مع المخفيين لدينا؛ إن لم نكن قادرين على البحث عنهم وإعادتهم إلى ذويهم، حتى يتمكنوا من إغلاق دائرة الشك والألم؟ كيف سنكون قادرين على بناء السلام إذا لم نكن قادرين على الاعتراف بأن الإخفاء القسري حدث في كولومبيا وأنه كان هناك تراخ من جانب الدولة للبحث عنهم؟ "

تحقيق توقعات أسر الضحايا وكسب ثقتهم والاستجابة لاحتياجاتهم أساسي لنجاح الهيئة الخاصة. المعلومات التي تجمعها الهيئة من جميع الجهات الفاعلة المسلحة - الجيش والقوات المسلحة الثورية الكولومبية والجماعات شبه العسكرية وغيرها - ومن أسر الضحايا ومن الموارد الأخرى سيكون أمرا أصيلا في هذه العملية.

تؤكد ماريا كاميلا مورينو: "لا بد من الاعتراف بكل وضوح بالماضي وبكل المعلومات اللازمة. من الهام جدا لهذه الهيئة تحقيق نتائج في فترة زمنية معقولة يمكنها أن تظهر للضحايا أنه في الواقع من الممكن القيام بذلك العمل وأن الدولة تأخذ المسؤولية على محمل الجد ".

جدول زمني: لحظات مهمة في البحث عن المفقودين في كولومبيا

*1985: حصار قصر العدل. حاصر أعضاء جماعة إم 19 المسلحة قصر العدل الذي يحوي مقر المحكمة العليا في كولومبيا. تدخل الجيش، وانتهت المواجهة بمقتل حوالي 30-40 من مقاتلي الجماعة جنبا إلى جنب مع عدد من الرهائن و 11 من أعضاء المحكمة العليا. بعد الغارة، أُخذ العديد من الناجين بعيدا من قبل مسؤولين عسكريين ولم يروا مرة أخرى. وقد تمت محاكمة بعض المسؤولين عن هذه الاختفاءات.

*2000: اللجنة الوطنية للبحث من الأشخاص المفقودين. مررت كولومبيا تشريعا لإنشاء هيئة مركزية للتحقيق حول المخفيين، وأُذن ببناء سجل مركزي للمفقودين. ومع ذلك، عدد قليل من الحالات تم إيفاؤه نتيجة لعمل اللجنة.

*2005: قانون العدالة والسلام. أقرت كولومبيا قانون العدالة والسلام، وهو آلية مصممة لتوفر لأعضاء الجماعات شبه العسكرية حوافز لنزع سلاحها، مثل تخفيض عقوبة السجن في مقابل الاعتراف بجرائمها والمساهمة في تعويض الضحايا. قادت الاعترافات التي تم الحصول عليها بواسطة القانون لبعض المكاسب الملحوظة، بما في ذلك السجل الذي حدد 400000 ضحية بالاسم. ومع ذلك، فقد الجمهور الثقة في هذه العملية التي كان يُنظر إليها على أنها مقصرة في محاسبة المرتكبين والتثبت من الحقائق بشأن المفقودين.

*2008: فضيحة"صور كاذبة". ظهرت فضيحة في الأخبار أن الجيش َقتَل المدنيين بعد إجبارهم على ارتداء زي المتمردين وعرضهم كمقاتلين أو من القوات شبه العسكرية الذين قُتلوا في المعارك. ويعتقد أن عدد الضحايا بالآلاف. ويحاكم بعض المسؤولين العسكريين عن هذه الجرائم.

*2015: النبش في ميديلين في يوليو. بدأت السلطات في الكشف عما يعتقد أنه أكبر مقبرة جماعية في المناطق الحضرية، محتوية على رفات ما لا يقل عن 300 مخفييا.

*2015: اتفاق 62 المعلن في تشرين الأول. رأى اتفاق 62 أن تضع الحكومة الكولومبية وفارك تدابير قصيرة الأجل وطويلة الأجل لإثبات الحقيقة حول المفقودين. أنشأ القرار عددا من الجهود الفورية لتحديد والتعرف على المفقودين وتسليم رفاتهم إلى أسرهم كما دعى إلى إنشاء هيئة خاصة للبحث عن المفقودين.


صورة: المحققون من مكتب المدعي العام في كولومبيا في تحليل عظام من ثلاثة جثث عثر عليها في مقبرة في سان كريستوبال بالقرب من ميدلين، كولومبيا. (AP Photo/Luis Benavides)